لماذا يتجاهل العالم محنة السوريين؟

لم يتوقع أي شخص على الإطلاق أن تستمر الحرب لهذه المدة الطويلة أو أن تسبب كل هذا الألم للعديد من الأشخاص، وقد فقد حوالي 200 ألف شخص حياتهم، بجانب أن حوالي 9.5 مليون سوري قد أُجبروا على مغادرة منازلهم، وحوالي 10.8 مليون سوري داخل سوريا يحتاجون إلى مساعدات إنسانية. وهكذا، فقد دُمرت الأمة – السورية – بشكل كامل، وقد أصبح من الصعب علينا قول أن هناك أي شكل من أشكال الدولة قد تبقى هناك، كل ما تبقى هناك هو الحطام والقوات المنتاحرة التي تتحارب فيما بينها.

فر حوالي 1.6 مليون سوري لتركيا وذلك منذ بداية الحرب في سوريا وقد تم استقبالهم بمنتهى الحفاوة. استطاع العديد من السوريين الحصول على كم كبير من الراحة وذلك في المخيمات التركية ذات المواصفات القياسية، ومع ذلك فإن دولة واحدة، أو مخيمًا واحدًا سرعان ما أصبحوا غير كافين للكم المتزايد من الللاجئين الذين يتوافدون عليه وهذا بجانب قلة التمويل. صُمم المخيم لاستقبال 220 ألف شخص فقط، وهو ما دفع البقية للذهاب إلى بعض الضواحي الكبيرة أملًا في الحصول على مأوى. يواجه "اللاجئون الذين يعيشون في المناطق الحضرية" العديد من المصاعب الهائلة يوميًا، وفي معظم الأحيان يكون من أعضاء هذه العائلات أطفال ضعفاء، ومسنون، وليس بالأمر المهم إذا ما كانوا أغنياء، أو أنهم عائلات محترمة، أو كانوا يعيشون في أحياء راقية من قبل، فهم الآن أصبحوا مشردين، وبلا عمل، ودون أي توجيه، وقد أصبح العديد من السوريين في مصاف المتسولين، والأمر الذي لم نعتد عليه هو أن نراهم يتسولون في شوارع تركيا بصحبة أطفالهم.

أنفقت تركيا مبلغ 5.2 مليار دولار على اللاجئين السوريين، كما أن لبنان، والأردن، والعراق يكافحون من أجل التعامل مع تدفق اللاجئين السوريين عليهم. ولكن في الوقت الذي تعاني فيه هذه الدول للتعامل مع تبعات الحرب السورية، ماذا تفعل بقية دول العالم؟ ليس كثيرًا. فدول الخليج لا تقدم أي عروض لاستقبال لاجئ سوري واحد، وقد فشلت كل من روسيا، والصين في تقديم أي مساعدات. باستثناء ألمانيا، والسويد، والذين قبلوا طلبات 100 ألف لاجئ فقط، فقد تعهدت بقية دول منطقة اليورو باستيعاب ما قدره 0.17 فقط من مجموع اللاجئين السوريين.

ومخيم اليرموك الذي كان يعاني منذ فترة نتيجة الحصار المفروض عليه من قوات الأسد، وقد أصبح الوضع أشد قسوة الآن بعد سقوط المخيم في يد داعش. وبما أنه يعتبر مخيما للاجئين الفلسطنيين منذ عام 1957 فقد استضاف –هذا المخيم- مؤخرا 160 ألف شخص، وقد تضائل العدد فيما بعد ليصبح 18 ألف شخص. المنطقة مُحاصرة تمامًا من قبل نظام أسد وهو ما جعلها في أشد الحاجة للإمدادات الغذائية، والطبية. عشرات الأشخاص لقوا مصرعهم، من بينهم أطفال، نتيجة الجوع والبرد القارص، وهو ما دفع المسؤولين لوصف الوضع هناك بأنه"أبعد ما يكون عن الآدمية".

وقد دعا السكرتير العام للأمم المتحدة إلى ضرورة الإجلاء العاجل للناس هناك، وطبقًا لبعض الإفادات فقد تبين أن حوالي 2000 شخص قد تم إجلاؤهم بالفعل، ولكن مازال هناك 16 ألف شخص ينتظرون ومن بينهم آلاف الأطفال. لمرة أخرى ولأسباب غير مفهمومة فإن العالم يُظهر كمًّا من اللامبالاة غير العادية تجاه المحنة التي يتعرض لها المدنيون الأبرياء.

ولكن لم يتم التعامل بالشكل نفسه عندما حلت الكوارث على مناطق أخرى، فعلى سبيل المثال فقد تم جمع 9 مليار دولار لمنكوبي زلزال هايتي، بينما تبرع الشعب البريطاني بمبلغ 19 مليون جنية إسترليني لسوريا، في مقابل المبلغ الكبير الذي تم جمعه عقب التسونامي الذي وقع في إندونيسيا عام 2004، بالإضافة إلى ذلك فقد قررت الأمم المتحدة قطع المساعدات الغذائية عن السوريين بسبب عدم وجود التمويل الكافي لهذا الغرض.

لا يمكن للمرء إلا أن يتساءل في مثل هذه الأوضاع، هل كانت جميع دول العالم ستبدي اللامبالاة نفسها وعدم الاهتمام نفسه لو كانت دولة أخرى هي التي تتعرض لما تتعرض له سوريا؟ هل كانت الشعوب ستتقبل وضع اللامبالاة هذا إذا ما كانوا هم أو عائلاتهم من يحاولون الهرب من قصف القنابل عليهم؟ أو لو كان أطفالهم هم من يبكون للحصول على الطعام؟ أو لو كانت عائلاتهم هي التي شُردت في البلاد الأجنبية محاولين الحصول على مأوى، ومكانٍ دافئ، وبعض الطعام؟

يجب علينا كبشر أن نفتح عقولنا، وقلوبنا، وأن نتذكر دائما أن هناك الملايين من الأبرياء بينهم أطفال، ونساء، وشيوخ يعانون في كل ساعة تمر عليهم. لك أن تتخيل الفارق الرهيب الذي يمكن أن يحدث في حياة هؤلاء الأشخاص إذا ماتبرع مليون شخص كل منهم بدولار واحد فقط. هم يحتاجون إلى مساعدتنا بشكل ضروري، وإذا لم نقم بكل ما في وسعنا لمساعدتهم فإن معاناة وقتل الأطفال، والنساء، والأبرياء ستظل مستمرة.



DEVAMINI GÖSTER

اعمال ذات صلة